في التاسع من حزيران الفائت صدر المرسوم رقم 22 لعام 2014 و استبشر السوريون أن يشمل هذا المرسوم أعداداً كبيرة من معتقلي الرأي والمعتقلين على خلفية أحداث الثورة السورية ولكن وبعد ما يزيد على العشرين يوم بقي المرسوم حبراً على ورق وكان العدد الأكبر الذي تم إطلاق سراحه حتى الأن هو من السجناء الجنائيين من أصحاب تهم السرقة والمخدرات و غيرها، أما المعتقلين السياسيين فقد تم إطلاق سراح عدد قليل من العسكريين من سجن صيدنايا معظمهم قد تجاوزت مدة اعتقاله الثلاث سنوات، كما تم الإفراج عن عدد من المعتقلين المودعين أو الموقوفين لصالح محكمة قضايا الإرهاب، وقد سُجل إطلاق سراح عدد قليل من المعتقلين من فرع فلسطين وفرع الأمن العسكري لم يتجاوز المئة معتقل على أبعد تقدير، وفي رصدنا لهذا المرسوم سنتحدث عن المرسوم من ناحيتين الأولى قانونية والثانية من ناحية التطبيق على أرض الواقع.

من وجهة نظر قانونية – حسب المادة 13 من المرسوم يستثنى من شمول أحكام هذا المرسوم التشريعي جرائم الإرهاب المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 تاريخ2-7-2012 مما يعطل إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين حيث أن الكثير ممن تم اعتقالهم تعسفياً كانوا يجبرون على الإدلاء باعترافات تفيد بانتمائهم لمجموعات مسلحة ومن لم يعترف فكان يتم الاكتفاء بتلفيق تهم تندرج تحت مسمى ” الترويج لأعمال ارهابية ” كما نص قانون الإرهاب الصادر عام 2012 .

 

وقد صرح الأستاذ ميشيل شماس في منشور على حسابه على الفيسبوك:

نظراً لضخامة أعداد المعتقلين فإن تطبيق العفو سيأخذ وقتاً.. وربما يستغرق تنفيذه حوالي الشهر. ففي محكمة الإرهاب لوحدها يوجد أكثر من ثلاثين ألف قضية .. وقد قام قضاة التحقيق بتشميل المئات من المعتقلين فقط وأفرج عن البعض وسيتم اﻻفراج عن البقية تباعاً.

محكمة جنايات اﻻرهاب : ﻻزالت تدرس القضايا التي من الممكن أن يشملها العفو وهناك حوالي مائتي قضية من أصل ألف وخمسمائة قضية يجري دراستها تمهيداً لتشميلها بالعفو ومن المتوقع أن يتم الاعلان عنها الأسبوع القادم ،

أما المعتقلين في الفروع الأمنية والمحكمة الميدانية وسجن صيدنايا فقد أفرج عن بعضهم وقد يستغرق الإفراج عن المشمولين بالعفو وقتاً قد يصل لشهر.

 

وعلى أرض الواقع: فإن المخاوف لدى المعتقلين وأهلهم من أن يكون هذا المرسوم كباقي مراسيم العفو التي لم يتم تنفيذها في كثير من الفروع الأمنية فلم نشهد إطلاق سراح معتقلين تجاوزت مدة اعتقالهم الثلاث سنوات كأنس الشغري واسلام الدباس ، أو قاربت على الثلاث سنوات كأمثال يحيى الشربجي الناشط السلمي ، وحتى أنه يوجد عدد من معتقلي ما قبل الثورة ممن تجاوزت مدة اعتقالهم 31 عاماً كالمعتقل رغيد الططري.

ومنذ انطلاق الثورة السورية صدر ما يقارب سبعة مراسيم ما يسمى “عفو” ولكن أعداد المعتقلين في ازدياد وأعداد المعتقلين المستفيدين من هذه المراسيم لم يكن يتناسب مع أعداد المعتقلين الكبيرة وذلك لأسباب عديدة منها استثناء تلك المراسيم لمواد من قانون العقوبات تخص المعتقلين السياسيين أو أسباب أخرى لاقانونية مثل تعسف رؤوساء الفروع الأمنية وعدم رغبتهم بإخراج المعتقلين لديهم وهذا ما لمسه المعتقلون في العديد من الفروع الأمنية، يذكر معتقل تم إطلاق سراحه من المخابرات الجوية أن المعتقلون في فرع المخابرات الجوية يسخرون من أخبار العفو كما في كل مرة بالقول : (( لا يجرؤ النظام من رأسه وكل مؤسساته على تمرير أي قانون أو مرسوم على مملكة جميل حسن الخنفشارية الدموية الظالمة المستقلة )) في إشارة منهم إلى إطلاق يد رئيس فرع المخابرات الجوية ” جميل حسن ” بمصائرهم دون أي اعتبار لقانون أو دولة، أو خوف من محاسبة هم فوقها بسلطة قوانين تم تمريرها تمنع محاكمة عناصر هذه الأجهزة، وكان آخرون يقولون (( كيف سيطلقون سراحنا ونحن هنا لا لجرم ارتكبناه ولكننا دروع بشرية ووسائل لإذلال أهلنا ومن ورائهم المجتمع السوري بوجودنا كأوراق ضغط بأيدي النظام)).

ولعل أخبار الاعتقالات الكبيرة في مدينة دمشق تعيد إلى ذاكرتنا مشهد الكذب والمراوغة الذي يمارسه النظام في كل مرة يكون فيها ضغط دولي أو مرسوم عفو يراد منه الجانب الإعلامي دون انعكاس على أرض الواقع ، فوفقاً لشهادة معتقلين كانوا في الفرع الداخلي (فرع الخطيب) التابع لأمن الدولة عايشوا مسرحية تبادل المعتقلين مع الأسرى الايرانيين، ففي الفترة التي كانت تدور فيها مفاوضات تبادل الإيرانيين شهد فرع الخطيب زيادة كبيرة في أعداد المعتقلين الذين تم اعتقالهم تعسفياً وبشكل عشوائي ودون أي سبب، وبنتيجة الصفقة كان هؤلاء المعتقلون هم الذين أفرج عنهم وبقي من كان معتقلاً سلفاً.

أما معتقلي المحكمة الميدانية وخصوصاً معتقلي صيدنايا ، فقد يئسوا من أن يخرجوا بمرسوم عفو كاذب من كثرة المراسيم التي صدرت ولم تشملهم وباتوا لا يكترثون لأمور العفو ، ولكنهم لم ييئسوا من حرية يتوقون لها .

وقد شهدت الفترة التي تلت العفو تزايداً كبيراً في أعداد المعتقلين الشهداء ( تعذيباً أو جوعاً أو مرضاً أو تصفية ) الذين يتم إبلاغ أهلهم بمراجعة الشرطة العسكرية، فيتم الافراج عن شهادات وفاة معتقليهم دون الإفراج عن جثامينهم حتى !!

الرحمة للشهداء المعتقلين ، والحرية والثبات لمن بقي منهم.

شاركنا رأيك بالتعليق