حكاية من رحم زنازين الموت : ” يارب خذ من روحي إلى روح أخي “
|التقيت به في إحدى أقبية الموت المظلمة، حين اجتمع بأخيه بعد فراق مرير بينهما تجاوز الستة أشهر، بالكاد استطاع الأخوان أن يتعرفا على بعضهما البعض، بعد أن ظن كل منهما أن الآخر قد فارق الحياة .
لم يكن هنالك متسع من المكان في حجم تلك الجماعية المتعفنة، فكان كل اثنين من المعتقلين يتناوبان فــيقف أحدهما ليعطي مكان جلوسه للآخر كي ينام قليلاً، ومن ثم يعود ليقف كي ينام من تحمل آلام الوقوف مطولا على القدمين الداميتين.
كان الأخوان من مهد الثورة مدينة درعا الحرة، الأصغر سناً منهما بحالة حرجة جداً، لا أقصد بالحرجة الحالة الصحية لأن كل من في ذلك القبر كان بحالة صحية صعبة، إذ الحالة الجيدة هناك هي فقط أن تحافظ على آمالك ووضعك النفسي، والحالة الحرجة هو أن يدخل المعتقل في مرحلة هذيان أو “فصل” كما يسميه المعتقلون، ثم يغيب شيئا فشيئا عن وعيه وإدراكه..
كان الأخ الأكبر يحصي خمس ساعات متواصلة من وقوفه بالدعاء كي يحفظ الله روح أخيه، حتى يناله التعب الشديد.
كنا نسمعه يستصرخ أخاه النائم كالميت ” أخي بترجاك قوم ماعاد فيي ضل واقف” ثم يسقط على الأرض بعد وقوف أخيه ليستيقظ بعد ساعة واحده فقط، ثم يقول لأخيه: حان دورك بالنوم الآن. بعدها ينظر إلي ليقول والدموع تغرق عيناه: ” يارب خذ من روحي إلى روح أخي، يا رب خذ من روحي إلى روح أخي“.
القصة حقيقية رواها لنا معتقل سابق خرج جسداً وروحه مع أصدقاءه.
التصميم المرفق عمل للمبدعة: Fatema Mosa