نقف اليوم على أعتاب الأيام الأخيرة من العام الخامس لثورة الشعب السوري، وللأسف فإننا نخجل بأننا والمجتمع الدولي ولفيف المنظمات الحقوقية والانسانية المحلية منها والدولية لم تستطع أن تساعد بإطلاق سراح معتقل واحد، أو بالتخفيف عن مئات الآلاف من السوريين المعتقلين في قبضة النظام السوري، وبسبب تقصيرنا كان الموت أو مقصلة السجان الذي لا يرحم أسرع منا إليهم، ولكن لازال الآلاف منهم يترقبون وينتظرون أن ننقذهم و ننتشلهم من براثن الموت، لنوصلهم إلى درب الأمان، درب عودتهم لحياتهم وعائلاتهم … فهل سنقف عاجزين في عامنا السادس أمامهم أيضاً ؟….

سنجمل فيما يلي المطالب الفورية والمستعجلة التي نراها حقوقاً متفقاً عليها، وهي المطالب التي تم طرحها على هئية التفاوض ضمن إجراءات بناء الثقة:

  • إيقاف عمليات الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي.
  • اطلاق سراح كافة المعتقلين تعسفيا ومعتقلي الرأي والنساء والأطفال وكافة الموقوفين على خلفية الثورة السورية في سوريا دون أي قيد أو شرط.
  • وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام في القضايا المتعلقة بالأحداث الجارية والصادرة منذ العام 2011 في سورية من قبل محاكم النظام وخصوصاً  محكمة الميدان العسكرية الأولى والثانية ومحكمة قضايا الإرهاب بدمشق والمحاكم العسكرية والاستثنائية بكافة أنواعها.
  • فتح كافة مراكز الاعتقال والاحتجاز التي تديرها الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية والتابعة لمجموعات الدفاع الوطني واللجان الشعبية وغيرها من المجموعات والميلشيات التابعة للحكومة أمام مفتشين دوليين ومحليين، وأمام المؤسسات الحقوقية و الإنسانية المحلية و الدولية، ومنح مراقبي الاحتجاز الدوليين والمحليين المعترف بهم حرية الوصول إلى كافة مراكز الاعتقال، الرسمية وغير الرسمية، دون إخطار مسبق.
  • دخول البعثات الدولية الإنسانية إلى سجن صيدنايا العسكري وفرع الشرطة العسكرية بدمشق للوقوف على الظروف المعاشية بداخله وتقديم الرعاية الطبية وتقديم إعانات إغاثية غذائية وعينية (ملابس، أغطية، ..) والسماح للمنظمات الدولية ذات الصلة بإجلاء المعتقلين المرضى إلى مشافي مدنية، ونقل جميع المعتقلين الموجودين في المشافي العسكرية (مشفى تشرين العسكري، مشفى ميسلون 601،إلى مشاف مدنية بإشراف المنظمات الدولية (كالصليب الأحمر الدولي) أو المحلية كالهلال الأحمر العربي السوري.
  • إغلاق السجون والمعتقلات التابعة للميليشيات والقوات التابعة للحكومة ( مثال : معتقل دير شميل في مدينة حماة التابع لكتائب البعث، المنشأة الرياضية في مدينة قطنا (ريف دمشق ) التابعة لقوات الحزب السوري القومي الاجتماعي، معتقل ميسلون، … )
  • إغلاق مراكز الاعتقال التي تدار من قبل الجيش السوري أو من المخابرات والمتواجدة ضمن القطع العسكرية الأمر الذي يعرض حياة المعتقلين للخطر ،علماً أن المعتقلين فيها هم مدنيون وعسكريون ومع أنها مدارة من قبل المخابرات وقيادات الأفرع الأمنية إلا أن وجودها بعيدا، وغياب مراقبتها يسهل الانتهاكات (معتقلات الفرقة الرابعة (إيداع المخابرات الجوية، إيداع أمن الدولة، إيداع المدرجات في مطار المزة العسكري (كون المنطقة غير آمنة و منطقة اشتباكات)،فرع سعسع التابع لشعبة المخابرات العسكرية ).
  • تقديم قوائم بأسماء الأشخاص الذين تم إعدامهم بناء على أحكام قانونية وقوائم بأسماء الأشخاص الذين ماتوا في المعتقلات ومراكز الاحتجاز يتضمن مكان دفنهم ، وتقديم السجلات الخاصة بالوفيات في مراكز الاحتجاز للجنة محايدة من الصليب الأحمر الدولي لإبلاغ الأهالي والأسر عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً و المفقودين.

ونؤكد من خلالكم على الأمور التالية التي نرى أنها كانت سبباً لعدم جدوى وفعالية التحركات فيما يخص ملف المعتقلين وضعف أو انعدام وجود انجازات فعلية ضمن هذا الاطار :

أولاً : من هم المعتقلون في سوريا :

تتعدد التعريفات والتصنيفات الخاصة بالمعتقلين ، ولكن ولعوامل عديدة ونظراً لأن جريمة الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري هي سياسة متبناة من قبل الحكومة السورية والميلشيات التابعة لها كسلاح رخيص، وغير مكلف لكبح نضال الشعب السوري لنيل مطالبه المحقة فإننا نؤكد على أن يتضمن أي قرار أو بيان توضيحاً شاملاً لكلمة ” المعتقلين ” بأنها تشمل كل من تم اعتقالهم على خلفية أحداث الثورة السورية منذ العام 2011 ، وأن لا يترك المصطلح لمناورة النظام الذي اعتاد أن يسم المعتقلين لديه بعبارات وأوصاف تصب في خانة تهربه وتنصله من المسؤولية مثل ادعائه بعدم وجود معتقلين سياسيين لديه وأن من يقوم باعتقالهم هم إرهابيون أو سجناء جنائيون أو غيرها من المصطلحات التي لا أساس لها.

حيث أن سياسة النظام ومنذ البداية تقتضي بأنه يدعي أنه يواجه “إرهابيين” و”متطرفين” و”تكفريين” و يتلوَن في ذلك ويتلاعب بالتهم الموجهة إلى المعتقلين وفقا لمقتضيات كل مرحلة ، فقد أطلق عليهم ومع بداية الأحداث مسمى: “مخربين” ، “مندسين” ، “إخوان مسلمين”، ومع تنامي الصراع حرص على تسمية المعتقلين بأنهم “مسلحون” ، “إرهابيون” وبعدها أصبح كل من يعتقله النظام تلفق له تهمة أنه “تكفيري” ، “مسلح” ، “إرهابي” ، “وهابي”. حتى أنه يغير ادعاءاته والتهم الموجهة للمعتقل الواحد نفسه. وما يهمه في هذا أمران :

الأول: صورته أمام العالم لدعم ادعاءاته.

والثاني : استمرار اعتقال المعتقلين كورقة ضغط على المجتمع السوري والمجتمع الدولي بآن واحد.

مثال على تلاعب النظام بالتهم الموجهة للمعتقلين:

  (يمكن تعميم هذه الحالة على عدد كبير من المعتقلين واعتبارها سياسة تجاههم): شاب عمره 20 عاماً اعتقل بسبب صورة على جواله وهو يعتمر قبعة بألوان علم الثورة، اعتقل في شهر كانون الثاني 2013 ، بعد أن أمضى ثلاثة أشهر في الفروع الأمنية (كان خلالها مختف قسرياً، لا يعلم أحد عن مكانه، مع وجود شهود على اعتقاله من قبل حاجز تابع للنظام إلا ان النظام أنكر وجوده خلال تلك الفترة) ثم تم تحويله إلى محكمة الارهاب، وأودع سجن عدرا ، تفاجأ عند القاضي بعد خمسة أشهر من انتظار دوره أمام المحكمة بأنه متهم بالانضمام إلى مجموعة مسلحة، وقرر قاضي التحقيق توقيفه وثم احالته إلى محكمة جنايات الارهاب ، ومع صدور العفو في منتصف 2014 وشموله لتهمة الشاب ، إلا أنه لم يطلق سراحه وفوجئ بصدور حكم بحقه بعد إعادة تجريمه بجرم جديد غير مشمول بالعفو وهو  ” جرم حيازة سلاح ” علماً بأن الجرم لم يكن موجوداً إطلاقا في البداية . حكم الشاب مدة 15 عاماً يقضيها الآن في أحد سجون النظام بعيداً عن جامعته التي كان متوجهاً إليها وبعيداً عن أسرته التي لا تستطيع حتى زيارته).

ثانياً : الجهات التي تقوم بعملية الاعتقال.

لا يقتصر موضوع الاعتقال والإخفاء القسري والقتل تحت التعذيب على الجهات الحكومية الأمنية، بل يتعداه ليقوم به عدد من الجهات التابعة للحكومة مثل اتحاد طلبة سورية، أو الجيش السوري، أو جهات تابعة للحزب الحاكم، مثل كتائب البعث أو ميلشيات حكومية مثل الدفاع الوطني واللجان الشعبية، ونسور الزوبعة (التابعة للحزب السوري القومي الاجتماعي)، وحتى الميلشيات التابعة لإيران، وحزب الله والمتواجدة في سوريا. حيث بات لتلك الجهات مناطق نفوذ ومعتقلات معظمها سرية تقوم باعتقال المدنيين وتعذيبهم، وبعد أن تنهي قترة التحقيق معهم تقوم بتحويل من بقي منهم سالماً ومن لا تريد مساومة أهله على عودته حياً إلى الجهات الأمنية، وبتهم وادعاءات ملفقة. (سجلنا مؤخراً قيام طلاب من اتحاد طلبة سوريا باعتقال زملائهم من قاعات الامتحان، وضربهم، ومن ثم تحويلهم إلى جهات أمنية، كما أن مدينة السلمية باتت محكومة من قبل ميلشيات الدفاع الوطني وتسربت مؤخراً جرائم رئيسها مصيب سلامة الذي يمارس عملية الاختطاف والاعتقال والتصفية).

لذلك نرى أن يتم تجريم هذه الممارسات وهذه التنظيمات التي يغض النظام النظر عن تصرفاتها طالما أنها تظهر ولاء له، والعمل على وقف هذه الممارسات.

ثالثاً : ظروف الاعتقال، وحق المعتقلين بالحياة

قد تصطدم الجهود الحالية والمستقبلية الهادفة لإطلاق سراح المعتقلين ورفع الظلم عنهم بتعنت النظام وصلفه واستمراره وميلشياته بجرائمهم بحق المعتقلين والمجتمع السوري ، ولكن هذا يجب أن لا يصرفنا عن دورنا الإنساني في السعي نحو إنقاذ حياة المعتقلين، و يتم ذلك من خلال استعادة المنظمات الدولية لدورها واستقلالية عملها، لجعل شروط الاعتقال ومراكز الاعتقال المعاشية والصحية مقبولة انسانياً ، فلم يعد من المبرر أن يغض الصليب الأحمر الدولي الطرف عن حاجة المعتقلين للأدوية والعلاج أو أن لا يكون له زيارات للسجون ومراكز الاعتقال أو على أقل تقدير للمشافي التي يحول إليها المعتقلين وباتت مسالخ بشرية واماكن تصفية وتجميع لجثثهم ، ولم يعد من المبرر لمنظمة الصحة العالمية أن تصم السمع عن استشراء مرض السل بالمعتقلين في سجن صيدنايا وغيره من مراكز الاعتقال كسجن حماة ، ولم يعد من المنطقي أن يقبل العالم بوجود بقعة في هذا العالم هي سجن صيدنايا الذي بات ومن سوء صيته عارا على الانسانية.

رابعاً :  تنصل النظام وعناصر الأمن من المحاسبة هو دافع لمواصلتهم بارتكاب جرائم بحق المعتقلين والشعب السوري عامة (اقتراح أن تشمل العقوبات المليشيات وقادتها ، تأمين مراقبة دائمة  (مباشرة أو باستخدام الوسائل التقنية الحديثة ) لمراكز الاعتقال كأدلة على جرائم الحرب التي ترتكب. )

خامساً:  عدم جدية المجتمع الدولي في محاسبة النظام وعناصره الأمنية بالرغم من الأدلة القاطعة على ارتكابه انتهاكات شديدة كتلك التي ثبتت من خلال الصور التي سربها قيصر،  هو دافع لمواصلته ارتكاب الجرائم المروعة بحق المعتقلين والشعب السوري عامة.

إننا نهيب بالمجتمع الدولي والمنظمات المعنية بالشأن الإنساني في سورية أن تكون قراراتها الإنسانية ملزمة للنظام وغير قابلة للتفاوض، لأن مجرد وجود قراءتين أو وجود أي تهاون في صياغة القرار، يعطي الفرصة للنظام للمماطلة ولتفريغه من مضمونه ومحتواه وعدم وصوله لأهدافه وغاياته. مثال : فضيحة الأمم المتحدة بما يتعلق بالمدن المحاصرة.

حملة أنقذوا البقية

شاركنا رأيك بالتعليق